في عالم اليوم، يمكن لأي إنسان أن

بقلـم نايف المطوع

17 ابريل/نيسان 2009

مدينة الكويت – قام صديقان أمريكيان في صيف عام 1989 بارتداء ثياب عربية استعاراها مني وحملا رشاشات مائية وقاما “بإرهاب” حرم جامعة براون. أدركْتُ يومها وللمرة الأولى كيف يمكن لمن يتمتعون بالذكاء والشباب والمال والجاه أن يكونوا أغبياء كذلك. بعد يوم من تلك “الهجمة” دعا طالب عربي أمريكي إلى اجتماع عام للاحتجاج على “العنصرية” التي شهدها.

لماذا غضب هذا الطالب؟ لم أفهم السبب يومها، ولكنني أفهمه اليوم.

وزّعت خلال محاضرة ألقيتُها مؤخراً حول الأسس البيولوجية للسلوك، نسخاً عن مقالين اثنين لطلاب الطب الذين كنت أدرّسهم بجامعة الكويت. كان المقال الأول من صحيفة النيويورك تايمز والثاني من مجلة نيويورك. قمت بحذف أية مؤشرات لهوية الأشخاص المذكورين في المقالين وأمكنة حدوث موضوعا المقالين. طلبت من الطلبة قراءة المقالين والتفكير بالمكان الذي يعتقدون أن الواقعتين حدثتا فيهما.

يتعلق المقال الأول بمجموعة من رجال الدين يطلقون على أنفسهم اسم “حزب الإله”، هددوا بنتائج وخيمة بالنسبة للذين يُلقى القبض عليهم وهم يُظهِرون الحب تجاه بعضهم في يوم عيد المحبين (الفالنتاين). وقد حذر أفراد المجموعة من أن القديس فالنتاين كان قديساً مسيحياً، وأن الاحتفال بهذا اليوم هو ضد دينهم بشكل حاسم. كما هدد أفراد المجموعة بأن يقوموا فوراً بتزويج المحبين الذين يلقى القبض عليهم. وقد أشار هؤلاء الذين يعارضون التدخل الديني إلى سلوك رجال الدين على أنه تحوّل إلى الطالبانية. وصل طلابي إلى إجماع: هذه المهزلة، حسب قولهم، لا يمكن أن تحصل إلا في المملكة العربية السعودية. اكتسحت مشاهد لمتشددين يضايقون المحبين المساكين مخيلة جميع الطلاب.

كان طلابي على خطأ. وقع الحادث في الحقيقة في الهند، والإله المعني هنا إله هندوسي.

نجا الله تعالى من هذه القصة.

احتجّت امرأة في المقال الثاني من أن “الطالبان الأغبياء” أغاروا عليها فوراً بعد أن أوقفها رجل محترم لا تعرفه في الشارع ليبدي إعجابه بجمال رضيعها. أحاطت بها بعد أن ذهب الرجل ثلاث سيارات كبيرة وقفز منها رجال ملتحون وبدأوا يستجوبونها في الشارع، “من كان هذا الرجل؟” و”ماذا كان يريد؟”. وصل طلابي هذه المرة إلى طريق مسدود، وانقسموا إلى نصفين بين المملكة العربية السعودية وأفغانستان. كانت صور شرطة “الآداب” التي يحمل أفرادها العصي في شوارع كابول والرياض مثبتة في مخيلاتهم.

تحطمت تلك الصور الذهنية لدى الطلاب عندما اكتشفوا أن لجنة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” كانت تجوب بسياراتها شوارع نيويورك، وأن الدين الذي كانوا يدافعون عنه هو اليهودية.

مرة أخرى، نجا الله تعالى من هذه القصة أيضاً.

أثبت العلم أن الشامبانزي مستعد للذهاب إلى الحرب من أجل حماية حدود منطقته. ناقشت مع طلابي بأن العدوان تجاه الآخرين لأنهم لا يشاركونك معتقداتك لا يعدو كونه حرباً على حدود فكرية، فالإيمان الديني عبارة عن خط فكري معلق في الهواء. اختتمت قائلاً أن المتطرفين الدينيين يجب أن يكونوا على حق بالنسبة لتشارلز داروين. من الواضح أنه لا توجد أية دلالات هنا على التطور.

كانت نيتي الترويج لمفهوم أن التطرف ليس سوى مجموعة من أجهزة إرسال عصبية تعمل بشكل زائد، أو بشكل أقل من الطبيعي. ليس الدين الإسلامي أو اليهودي أو الهندوسي هو الذي يسبب التطرف. بل الذي يسببه هم ناس لديهم قابلية التطرف تحت أي معتقد كان.

إلا أنه كان من المذهل رؤية طلابي في الكويت وهم يربطون بين دينهم الإسلامي والإرهاب، عندما اختاروا المملكة العربية السعودية على أنها المكان المحتمل لحدوث القصتين.

واقع الأمر أنه يمكن لأي كان أن يفعل ذلك، في عالمنا اليوم.

ليست هناك حماية لطلابي، في عصر الإنترنت ومحطات التلفزة الفضائية، من الرؤى الخاطئة وسوء تمثيل دينهم، تماماً كما كان الأمر بالنسبة للطالب العربي الأمريكي بجامعة براون، الذي لم يكن يملك حماية من تجاربه الخاصة في نشأته. إذا نشأ المسلمون وهم يربطون بين التطرف والإسلام، وأن يعتقدوا أن ذلك يشكل انعكاساً دقيقاً لديهم، فسوف تكون لدينا مشكلة أكبر بكثير مما كنا نتصوره في يوم من الأيام.

يشكل التغاضي عن الإغراض والضلال على أنه النموذج والمعيار المتبع خطراً علينا جميعاً، وتشكل عملية تصحيح الخطأ، وبشكل متواصل مستمر حول ماهية الإسلام، وما هو ليس إسلام، واجباً على كل من هو قادر على التواصل في عالم اليوم الذي تكثر فيه وسائل الإعلام.

###

* نايف المطوع هو مؤسس مجموعة الـ 99(The 99) وهي مجموعة من الأبطال الخارقين مستوحاة من الثقافة الإسلامية. كُتب لخدمة Common Ground الإخبارية.

مصدر المقال: خدمة Common Ground الإخبارية، 17 نيسان/إبريل 2009

www.commongroundnews.org

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.