شهر رمضان الكريم: شهر العطاء

بقلـم نايف المطوّع

11 سبتمبر/أيلول 2009

مدينة الكويت – سألَتْني صديقة في نيويورك مؤخراً عن طبيعة شهر رمضان. استعنت بفصل من كتاب لابني البالغ من العمر ثلاث سنوات، وحاولت أن أشرح لها بتعابير تستطيع فهمها. طلبت منها أن تتخيل يوم عيد الشكر الأمريكي التقليدي بحضور جميع أفراد أسرتها وأقاربها المقرّبين، وهم صائمون فيه من طلوع الشمس وحتى غروبها، مع كل النوبات التي قد تأتيهم من نقص الكافيين والنيكوتين، قبل تناول وجبة الإفطار. ثم طَلبْت منها أن تتخيل أن يوم عيد الشكر هذا يستمر لمدة شهر كامل.

ردت علي بدهشة: “يا للمسكين!”.

وأجبتها مبتسما: “ولماذا تعتقدين أننا نحتفل بانتهائه؟”

في الواقع، إن لشهر رمضان الكريم معانٍ أكثر من مجرد الصيام، فهو الشهر التاسع في السنة القمرية العربية، وأكثر الشهور قداسة لأن الملاك جبريل أنزل فيه القرآن الكريم، تلك الهِبَة العظيمة، على النبي محمد (ص) في اليوم السابع والعشرين من ذلك الشهر. على هذا النحو، شرحْتُ لصديقتي، أن شهر رمضان هو شهر العطاء، وأن من بين أركان الإسلام الخمسة هناك إعطاء الزكاة.

يذكر القرآن الكريم الزكاة بشكل متكرر، ويفرِض تقليد قديم في الإسلام إعطاء جمل من كل أربعين جمل يملكها المسلم إلى الفقراء.

ضَحِكَت صديقتي وقالت: “من منّا يملك جملاً إضافياً في هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة؟!”

أجبتها أنه أشير للزكاة بتعابير مَجازيّة، وأن الكثيرين، وأنا منهم، يؤمنون أن تقديم الزكاة يتعدى الجمال والأموال، إلى أغلى ما يملكه الإنسان: الوقت.

وبغض النظر عن الأوقات الاقتصادية الصعبة التي نمر بها، فإننا نستطيع جميعاً أن نعطي من وقتنا.

نشأتُ مثل معظم العرب ضمن أسرة كبيرة، تجد دائما فيها من هو خبير في مجال ما وعلى استعداد ليعطي جزءا من وقته ليشارك فيه خبرته مع الآخرين. فإذا أردتُ مساعدة في حل مسائل حسابية، أجدها عند أحد أعمامي، وإذا كان لديّ سؤال حول كتاباتي، أجد جوابه عند إحدى خالاتي. أما بالنسبة للدين، فقد كان الجميع ينصبون أنفسهم خبراء فيه.

ولكن مع تقدمنا في السن، نخرج لنبحث عن مرشدين ملهِمين لا ينتمون إلى أسرتنا، ومع ذلك، يشاركوننا عواطفنا وأحاسيسنا.

يمكن لعلاقات الإرشاد هذه أن تكون أقوى العلاقات جميعاً.

عندما نزل القرآن الكريم على رسول الله (ص) غمره شعور هائل من نداء الله تعالى فرجع إلى عمّ زوجته، بحثاً عن النصح والإرشاد. حتى الأنبياء يحتاجون بدورهم لمرشدين.

فقدت مرشدا عظيماً الشهر الماضي بسبب مرض خبيث أصابه. سيصلكم هذا المقال بعد أن قام مرشد آخر بتحريره ومناقشته. كما قام ثالث بإرشادي في أحد إنجازاتي في مجال الإعلام من وراء الكواليس. ما يتشارك فيه هؤلاء الثلاثة هو أنهم قدّموا لي الوقت وسبل الوصول إلى حكمتهم ومعرفتهم التراكمية، وقد فعلوا ذلك دون أن يطلبوا أي شيء بالمقابل، وهم بهذا يتبنّون روح الزكاة بالحرف. أحدهم مسلم والثاني كاثوليكي والثالث يهودي. يقدم ثلاثتهم أكثر من جزء من أربعين من وقتهم للإرشاد وتقديم النصح والمشورة. ولولا جهودهم المتظافرة، لكانت حياتي مختلفة جداً عما هي عليه الآن.

لا شك بأن الوقت هو أثمن ما نملكه في هذا العالم. لو علينا أن نقدّم ما نسبته اثنين ونصف بالمئة من حياتنا لإرشاد الآخرين وتقديم النصح لهم، فإن ذلك سيعادل ستة وثلاثين دقيقة في اليوم. ما الذي ستفعله بهذه الدقائق الست والثلاثين كل يوم؟ من الذي ستؤثر في حياته بذلك الوقت؟ الاحتمالات لا نهاية لها، كما أن الحاجة لا تنتهي.

سُمّي ابني ريان باسم بوابة في الجنة يدخل عبرها الصائمون في شهر رمضان الكريم. كنت قبل أيام قليلة في غرفة المكتب حيث أمارس الكتابة، أمسح دموعي وأنا أكتب مرثية وداعية لمرشدي الذي توفي مؤخرا. أثناء ذلك، دخل ابني ريان الغرفة قائلاً إنه ترك لعبة “سكوبي دوو” في غرفة اللعب، وطلب مني إحضارها له. توجهت إليه بتلك النظرة الصارمة التي تقول “إذا قاطعتني سأجعلك تفقد إبهاميك.” خرج من الغرفة وقد استحوذت عليه خيبة الأمل.

تمكّن بعد دقائق قليلة من الانحدار إلى مستواي، وخاطبني قائلاً: “بابا، أنا بحاجة لأن أذهب إلى غرفة مكتبي في المنزل لإحضار عملي. هل بإمكانك مساعدتي؟”

لم تمض دقائق حتى كنا نصعد الدرج معا إلى “مكتبه”، دون أن يفقد أياً من إبهاميه.

يوما ما، سوف يستفيد فيه هو الآخر من دقائق مرشده الستة والثلاثين.

###

* الدكتور نايف عبد الرحمن المطوع هو مبتكر (الـ 99)، وهي مجموعة من الأبطال الخارقين المبنيين على الثقافة الإسلامية. وقد حصل الدكتور المطوع على جائزة رجل الأعمال الاجتماعي لسنة 2009 من مؤسسة شواب في المنتدى الاقتصادي العالمي. ظهر هذا المقال في جريدة Bradenton Herald في فلوريدا، وقد كُتب لخدمة Common Ground الإخبارية.

مصدر المقال: خدمة Common Ground الإخبارية، 11 أيلول/سبتمبر 2009

www.commongroundnews.org

تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال.