سمكة الصحراء الخرقاء

بعد الانتهاء من دراساتي العليا في مدينة نيويورك، وحصولي على شهادة الدكتوراه في علم النفس السريري وشهادة الماجستير في إدارة الأعمال، بدأت تخالجني فكرة عدم العودة إلى الكويت. لم أطلع أحدا على ما أفكر فيه، خاصة وأنه لم يكن هناك أي داع لذلك. لكن والدتي كان لديها حدسها الخاص حول ما أفكر فيه. اتصلت بي إحدى قريباتي لتعبر لي عن قلقها، وأخبرتني أنه بإمكاني أن أتحول من سمكة صغيرة لا يدري عنها أحد في بركتها الكبيرة، لأصبح سمكة كبيرة لها نفوذ ودراية بأمور بركتها الصغيرة. ماذا كان ردي عليها؟ ماذا لو أصبحت في آخر المطاف سمكة خرقاء في صحراء جرداء؟ كيف ستكون الأمور ساعتها؟

عدت إلى الكويت في يونيو 2003، وأطلقت مشروع ال 99 الذي بدأ كفكرة تخطر على بالي وأنا أستقل سيارة أجرة لندنية، ووصل في حجم أضخم لاحقا إلى القنوات التلفزيونية العالمية، فاتحا الباب لاستثمارات بملايين الدولارات، وجالبا معه مئات فرص العمل. كان المشروع أول عمل إبداعي ينطلق من قلب العالم الإسلامي ليصل إلى العالمية وبالتالي وضع الكويت على الخارطة الثقافية والريادية للعالم. وتقديرا لهذه المساهمة، تم اختياري مؤخرا عضوا في لجنة الاستثمار والتمويل التابعة للصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة البالغ قيمة رأسماله 7 مليار دولار. وعلى ما يبدو أنه تقدير من نوع آخر، فقد تمت متابعتي قضائيا بتهمة الهرطقة وإهانة الدين من قبل مواطن عادي في المحاكم الكويتية.

اليوم، 23 أبريل، سيصدر الحكم إن كنت فعلا قد أهنت الدين من خلال ال 99 أم لا. رفعت الدعوى ضدي من قبل الرجل الذي تعكس تغريداته على تويتر شخصيته الحقيقية. لا يسعني إلا أن أقول، ابحثوا عنه وطالعوا محتوى ما يكتب. فقد اهتدى من خلال تحليله التفاعلي العجيب إلى أني أهين الدين. أصبت بالذهول تماما. مثل هذه الشخصيات هي ما كان على لويس كارول أن يقتبس منها ويضيفها إلى مؤلفاته.

عندما قدم أول شكواه في فبراير عام 2014، لم يتم استدعائي للاستجواب. وبعد أربعة أشهر تمكن من خلال أحد أقاربه في أحد مراكز الشرطة النائية في الكويت من إيجاد من يقبل استدعائي للاستجواب. ما الدليل؟ تغريدة قام شخص آخر بإرسالها عبر تويتر من حساب مجهول لم يتم التحقق منه يتهمني فيها بإهانة الدين. هذا هو الدليل. وهذه هي القضية. تمت تقوية هذا الدليل بفتوى جاءت جوابا على سؤال اعتمد على أكاذيب ومزاعم. وهذا هو أساس معظم الحالات التي يطبل لها هذا المحامي. تخيلوا لو أن كل محامي البلد يقومون بنفس الشيء. ساعتها سيغرقون الكويت ومستقبلها بشكل جماعي.

طلب مني البعض الذين أبدوا تخوفهم من الموضوع، أن أغادر الكويت عند النطق بالحكم، وألا أكون متواجدا بها. هل سأفعل ذلك حقا؟ والآن؟ وبعد نسيان هذه الفكرة منذ عقد من الزمن؟ كانت سنة 2003 هي أنسب وقت لي كي أظل خارج الكويت. لكني أرفض الآن أن أكون غائبا عن مستقبل بلدي. هجرتي لبلدي الآن ستكون أكثر من مسألة هجرة الأدمغة. ستكون مسألة هجرة الأمل. أنا لا أرى هذه المسألة هي ضدي شخصيا، بل هي مسألة تتعلق بمستقبل الكويت. إنها مسألة حول مستقبل المبادرات الريادية، وحرية التعبير. وفي قلب هذا التعبير يكون الوقوف في وجه استبداد يهدف بكل السبل إلى الحفاظ على الوضع الراهن. أؤمن بالكويت ومستقبلها الواعد. ولن أكون غائبا عن أي لحظة من لحظات تشكيل مستقبلها. أؤمن إيمانا قويا بكل إبداعاتي ورسائلها الإنسانية، وأنا على كامل الاستعداد للعمل على إبداعات أخرى بنفس قوة رسائلها الإنسانية.

لذلك، هل سأتواجد في قاعة المحكمة عند النطق بالحكم؟ لا لن أفعل. لكن هل سأكون خارج الكويت؟ أيضا، لن أفعل. بكل بساطة، سوف أكون في جامعة الكويت، كلية الطب أشرف على امتحان الامتحان السريري الموضوعي (المعروف اختصارا بالأوسكي) لطلبة الكلية، أطباء المستقبل، وبعدها سوف ألقي محاضرة في العلاج السلوكي المعرفي بنفس كلية الطب. حتى إذا جاء نطق المحكمة في غير صالحي، على الأقل سيعرفون أين يجدونني. اليوم، 23 أبريل، سيتقرر من سيكون سمكة الصحراء الخرقاء، وإن لم أكن أنا هو تلك السمكة، فسوف أعمل بكل ما أوتيت من قوة على ألا يتكرر مثل هذا العبث مرة أخرى، ليس بالنسبة لي فقط، لكن بالنسبة لكل شخص يقع تحت وطأة هذا الظرف الظالم، حيث ينحني ويكسر الحقيقة لتحقيق مكاسب شخصية عبر تغريدات مجهولة ولم يتم التحقق منها كدليل يقدم للمحكمة. أي أفكار لديكم في هذا الموضوع مرحب بها.

الرجل الذي يقاضيني يسعى وراء شهرة على حسابي. ويريد أن يبتلعني ليصبح سمكة كبيرة. من المؤكد أن هذه المحاكمة ستسلط الضوء على نوع البحر الذي تمثله الكويت، وأي نوع من الأسماك هو ذلك الشخص. قد لا يكون سمكة كبيرة ولا حتى سمكة صغيرة. وإن كان كذلك، فدعونا نمنحه نوع الشهرة التي يبحث عنها.