باسم الإلهام

بقلـم نايف المطوع

27 يوليو/تموز 2007

نيويورك – كم منكم قرأ رواية جي دي سالينجر The Catcher in the Rye، عندما كان في المدرسة الثانوية؟ أذكر الرواية وكأنني قرأتها بالأمس. فُتِنت يومها بالمؤلف وقرأت بقية رواياته.

أذكر استخدامه للغة. أذكر كذلك قصة بطل الرواية هولدن كولفيلد الذي وجد أن النفاق والزيف والبشاعة في العالم حوله غير محتملة تقريباً. حاول من خلال سخريته أن يحمي نفسه من ألم العالم وخيبته وإحباطاته.

أذكر أنني لم أكن أريد أن تنتهي الرواية. بل أذكر أنني استخدمتُ الكتاب كأسلوب للمماطلة وعدم كتابة مقالاتي الجامعية. أذكر ذلك كله.

إلا أنني لا أذكر، وهذا أمر يدعو إلى السخرية، الدافع الملحّ لأن أُطلق النار على رمز ثقافي. الواقع أنه لم يكن لدي دافع في يوم من الأيام لأن أطلق النار على أي إنسان.

ليس بعد أن قرأت الكتاب. ليس الآن. ليس في أي يوم من الأيام.

حمل مارك ديفيد تشابمان، القاتل الذي أطلق النار على جون لينون، أحد أفراد فرقة البيتلز وأرداه قتيلاً، حمل معه نسخة من رواية سالينجر الكلاسيكية وأشار إليها أثناء استجواب الشرطة له. سيطر الكتاب كذلك على هواجس جون هينكلي، الذي أوشك أن يصبح قاتل الرئيس رونالد ريغان عام 1981. كلاهما ربط أعماله العنفية الإجرامية بطريقة ما بالكتاب نفسه.

هل يبدو ذلك مألوفاً؟

سيطر عليّ هاجس بضرورة فك الرموز فعدت لقراءة الكتاب بحثاً عن دليل من نوع ما. من الواضح أن هناك خطأ في داخلي إذ لم أستطع فك رموز الكتاب. بدأت أقرأ كل ثاني حرف بَحثاً عن نَمَط. أمسكت حتى بالكتاب أمام مرآة وحاولت قراءته من الآخر إلى الأول. دقّقت النظر بحثاً عن رموز أو مؤشرات. أصابني الإحباط، وتطرَّقَت لي فكرة الوقوف على يدي، ولكن التناسب بين يدي ووزني لم يكن يدعم مهمة كهذه. في النهاية ظننت أن تدفق الدم إلى رأسي سوف يساعدني لأجد شيئاً ما.

ولكنني لم أجد شيئاً.

من الواضح أنني لم أصَب بالإلهام مثل تشابمان وهينكلي. لم يتم اختياري لرسالة كهذه. لم أكن أستحق أن يخاطبني مؤلف تلك الكلمات مباشرة من خلال كتاباته.

لم أكن مقصوداً للقيام بأشياء عظيمة.

ولكن من الواضح أن تشابمان كان كذلك. فقد كان متزوجاً من امرأة يابانية مثله مثل لينون. كان قد شكّل مجموعة من رجال أربعة، مثله مثل لينون. لبس ثيابه وعاش مثل معبوده جون لينون. كان يريد أن يكون جون لينون.

من الأهمية بمكان، في أيٍ من الأوضاع التي تتطلب تفسيرات، أن نفهم المضمون الثقافي بشكل كامل إضافة إلى المضمون النفسي للشخص الذي يفسّر الوضع، بغض النظر عما إذا كان يشير إلى كلمة مكتوبة أو غير ذلك.

لا يستطيع الناس أن ينتموا بناءً على ما يعرفونه وبصراحة، إلا لما هم مبرمجون لمعرفته.

إعطاء أناس مختارين مطلق الصلاحية لتفسير أي شيء يساوي الكارثة، وخاصة عندما يحاول أحدهم بعد ذلك نقل الفكرة وغرسها في زمان ومكان آخرين.

سألت أحد طلبة الطب الذين أدرّسهم أي نوع من الأطباء تريد أن تكون. أجاب “جرّاحاً”. أعجبت بخياره. بعد ذلك وفي اليوم نفسه سألت ولدي خالد البالغ من العمر خمس سنوات ماذا يريد أن يصبح عندما يكبر. قال لي “طبيب” وعندما سألته أي نوع من الأطباء، فكر للحظة وأجاب “طبيب أزرق”.

من الطبيعي أنك لا تريد ولدي المنتمي إلى السنافر (Smurf) أن يُملي مجرى مستقبل الطب.

إلا أن كونه طفلا في الروضة، يتعلم التصنيفات الأساسية، فإن جوابه كان مثيراً للإعجاب، تماماً مثل إجابة جراح المستقبل. كل منهما أجاب حسب الموارد والخيارات المتاحة له.

حتى هذا التاريخ بيعت أكثر من ستين مليون نسخة من كتاب سالينجر Catcher in the Rye The، ولم ترتبط بالكتاب سوى جريمتين عنفيتين أعرف عنهما.

من الواضح أن الخطأ يكمن في القارئ.

###

*الدكتور نايف المطوع هو مؤسس “الـ 99″ وهي مجموعة من “السوبر أبطال” ذوي الشهرة الدولية تعتمد على النماذج الإسلامية القديمة. لمزيد من المعلومات يرجى زيارة الموقع www.the99.org . تقوم خدمة Common Ground الإخبارية بتوزيع هذا المقال التي يمكن الحصول عليه من الموقع الإلكتروني www.commongroundnews.org.

مصدر المقال: أراب نيوز Arab News، 19 تموز/يوليو 2007

www.arabnews.com

تم الحصول على حقوق النشر هذا المقال.